جريدة الأهرام المصرية

130

‏السنة - 43505  العدد

2006

يناير

16

ه1426  16 من ذى الحجة ـ

الأثنين

 

قضايا و اراء

غاز روسيا وشمس مصر
بقلم : عبدالعظيم حماد

 

 

يشعر صديقنا الدكتور هاني النقراشي بأنه مكلف بمهمة شبه رسولية للتبشير ـ في مصر أولا وفي سائر منطقة جنوب البحر المتوسط بعد ذلك ـ بمستقبل زاهر يعتمد علي الكهرباء الشمسية‏,‏ ليس من خلال تكنولوجيا الخلايا الضوئية‏,‏ ولكن بتكنولوجيا قديمة متجددة تعتمد علي استخدام حرارة الشمس من خلال المرايا العاكسة لبدء الدورة الحرارية اللازمة لتوليد التيار الكهربي‏.‏

والدكتور هاني النقراشي هو ابن المرحوم محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الوزراء السعدي الأسبق‏,‏ وكان حتي وقت قريب أستاذا في واحدة من أشهر كليات الهندسة في العالم بجامعة دارمشتاد الألمانية‏,‏ وهو الآن يعمل استشاريا بمدينة هامبورج في مجال الطاقة الشمسية‏,‏ ومن فرط تركيزه علي الدور المفترض لمصر في خطط العالم المستقبلية لحل أزمة الطاقة‏,‏ فقد أسس مع صديقه في المهجر المهندس عبدالحميد موسي رئيس اتحاد رجال الأعمال المصريين في ألمانيا مركزا لدراسات الطاقة الشمسية بمحافظة الوادي الجديد‏,‏ وبمناسبة أزمة الغاز الأخيرة بين روسيا وأوروبا‏,‏ والتي اكتشفت الدول الصناعية المتقدمة بسببها مرة أخري كم هو خطير أن تعتمد علي مصدر رئيسي واحد للطاقة‏,‏ عرض الدكتور النقراشي خلاصة بحث استغرق عامين لحساب وزارة البيئة الألمانية‏,‏ وكان هو أحد أعضاء فريق البحث إلي جانب مجموعة من العلماء من مصر والعراق والأردن والجزائر والمغرب ومن ألمانيا بالطبع‏.‏

أجري الفريق عملية حصر شامل لمصادر الطاقة الطبيعية حول البحر المتوسط‏,‏ وأحصي احتياجات شعوب هذه المنطقة من الطاقة حتي عام‏2050‏ بفرض أن مستوي معيشتها سيصل إلي مستوي معيشة الشعوب الأوروبية في شمال المتوسط‏,‏ وما يتبع ذلك من تزايد الطلب علي الطاقة الكهربائية والمياه الصالحة للشرب والري‏,‏ وكانت النتيجة هي أن هذا الطلب للطاقة سيفوق استهلاك الكهرباء في دول أوروبا الصناعية الآن‏,‏ وفي المستقبل‏,

ولكن في الوقت نفسه فإن مصادر الطاقة المتجددة تفوق الطلب المنتظر بكثير‏,‏ بينما ستنضب مصادر الطاقة التقليدية من نفط وغاز وفحم‏.‏ إذا يمكن لهذه الشعوب أن تكفي احتياجاتها من الطاقة إذا إستغلت مصادرها من الطاقة المتجددة بحكمة‏,‏ ولما كانت طاقة الشمس التي تسطع علي صحراء شمال افريقيا أكثر هذه الطاقات المتجددة من حيث الكم والاطراد فقد ركزت الدراسة علي استغلالها علي أفضل وجه‏,‏ وذلك بإنشاء المحطات الشمسية الحرارية التي تركز أشعة الشمس المباشرة‏,‏ فترتفع درجة في أنبوب مخصص لذلك‏,‏ إلي أن ينتج منه بخار يكفي لإدارة توربينات التوليد‏,‏ وفي الوقت نفسه تستخدم الحرارة الفائض منها بعد توليد الكهرباء لتحلية مياه البحر‏,‏ وإنتاج كميات كبيرة من المياه الصالحة للشرب‏.‏

وأثبتت دراسة الجدوي الاقتصادية أنه يمكن لبلاد جنوب البحر الأبيض المتوسط أن تكفي احتياجاتها من الطاقة والمياه وكذلك أن تصدر جزءا من هذه الطاقة يزيد علي‏10%‏ من احتياجات أوروبا من الكهرباء‏,‏ وذلك بسعر أقل من سعرها إذا أنتجت في الأسواق الأوروبية باستخدام الفحم والبترول أو الغاز وهذا يحل مشكلة اعتماد الأوروبيين علي مصدر واحد للغاز وهو روسيا حيث سيتيح لها تعدد المصادر وعندما ينفذ البترول والغاز والفحم فسيكون الاعتماد علي الشمس شبه كامل إلي جانب الرياح ومساقط المياه وفي الوقت نفسه يمنح هذا المشروع شعوب شمال إفريقيا والشرق الأوسط ء الأموال التي تحتاجها للتنمية فضلا عن الكهرباء والماء كذلك فإن مايتبع التوسع في هذا القطاع من قيام صناعات مغذية واخري مكملة من مرايا وهياكل حديثة وكذلك معدات إنتاج الكهرباء ستزيد الرخاء في هذه البلاد وتوفر فرص العمل وتغنيها بالتنمية المستدامة التي تتطلع إليها كل الشعوب‏.‏

أما المزايا الاستراتيجية لهذا المشروع الضخم الذي هو أت لامحالة وإن طال الزمن‏,‏ فهي أكثر من أن تحصي‏,‏ فهو أولا يحتفظ للمنطقة العربية بأهميتها للعالم بعد نضوب البترول وهو ثانيا يعيد توزيع موازين القوي الاقتصادية والسياسية فيها مرة أخري‏,‏ مثلما فعل البترول ومن قبله مثلما فعلت قناة السويس وعلي ذلك فإنه يجعل أوروبا شريكا استراتيجيا للدول العربية مثلما هو الحال بين الولايات المتحدة ودول الخليج مع الفارق الذي لاحاجة لشرحه بين الولايات المتحدة وبين أوروبا من ناحية وبين دول الشمال الإفريقي وفي مقدمتها مصر‏,‏ وبين دول الخليج من الناحية الأخري‏,‏ ومن ثم فسوف تتعاظم مصلحة الأوروبيين في تحقيق التقدم والاستقرار في المنطقة‏,‏ ومن ثم ايضا سيتعاظم الدور السياسي والاستراتيجي الأوروبي بما يحقق درجة مطلوبة من التوازن مع النفوذ الأمريكي‏.‏

وكما حدثني الدكتور هاني النقراشي‏,‏ وكما أطلعت بنفسي خلال فترة عملي في ألمانيا ـ وقد انتهت منذ أشهر قليلة ـ فإن الإرادة السياسية متوافرة لدي الجانب الأوروبي كذلك فإن الإطار التمويلي مدروس بالكامل بل ومعد سلفا‏,‏ وأتذكر ان المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر لم يكن في حاجة إلي وقت للرد بالموافقة علي رسالة من رئيس وزراء مصر السابق دكتور عاطف عبيد طلب منه فيها تخصيص مبلغ عشرة ملايين دولار من الاعتماد الفيدرالي الألماني لأبحاث الطاقة المتجددة لاقامة محطة تجريبية في مصر تعمل بما يسمي الدورة الثلاثية‏,‏ أي باستخدام أشعة الشمس نهارا والغاز أو المازوت ليلا‏,‏ وحسب معلوماتي فإن العمل في هذه المحطة الواقعة في منطقة البحر الأحمر بلغ مرحلة متقدمة‏,‏

ولكن علي أن اعترف بأن أبناء مصر في ألمانيا هم الذين وضعوا الملف علي مكتب الدكتور عاطف عبيد‏,‏ وهم الذين اقترحوا عليه مخاطبة المستشار شرودر‏,‏ وعلي ايضا ان اعترف أنهم يقدرون لوزير الكهرباء والطاقة الحالي المهندس حسن يونس إتمامه لمشروع تجارة الكهرباء بين مصر وشمال إفريقيا وشرق المتوسط من ناحية‏,‏ وبين أوروبا من ناحية أخري الذي كان المهندس ماهر أباظة أول من فكر فيه‏,‏ كما يقدرون للمهندس يونس تجاوبه مع الاهتمام الأوروبي بمشروعات الطاقة الشمسية الحرارية ولكنهم مع ذلك يطلبون المزيد‏..‏ ليس لأنفسهم وإنما لبلادهم‏.‏ للاطلاع علي الدراسة الأصلية‏:

www.nokraschy.net

 


 

1